الثلاثاء، 2 فبراير 2016

المقالة الأساسية في درس الشعور واللاشعور

المقالة الأساسية في درس الشعور واللاشعور 




هل الشعور مبدأ وحيد للحياة النفسية ؟

     يجمع العلماء والمفكرون على أن الانسان عبارة عن ثنائية جسم وروح، أما الجانب الجسمي فيهتم بدراسته ما يعرف بالفيزيولوجيا أو مايسمى بعلم الأعضاء ، أما الجانب النفسي الروحي فيهتم به علماء النفس ، إلا أن الخلاف قد احتدم بين علماء النفس منذ ظهور علم النفس الحديث خاصة  حول أساس الحياة النفسية ، فهناك من رأى بأن الحياة الحياة النفسية تقوم على الشعور فقط في حين هناك من رأى بوجود جانب شاسع من الحياة النفسية يتمثل في اللاشعور ومن هنا نطرح الاشكال التالي : هل الحياة النفسية للإنسان في مجملها حياة شعورية ؟ أو بعبارة أخرى هل الشعور مبدأ وحيد في الحياة النفسية ؟
    يرى الموقف الأول ممثلا في علم النفسية القديم بأن الحياة النفسية في مجملها حياة شعورية وأن الشعور مبدأ وحيد في الحياة النفسية للإنسان ويمثل هذا الموقف كل من ابن سينا ديكارت وبرغسون ، حيث رأى ابن سينا أن نشاط الروح يتمثل في الفكر وهو نشاط واع وهذا ما أكد عليه ديكارت في الفلسفة الحديثة من خلال ما يسمى بالكوجيتو الديكارتي : " أنا أفكر إذن أنا موجود " ، حيث رأى ديكارت أنه لا يوجد خارج حياة الجسم إلا الحياة النفسية التي نشعر بها ونعيها تماما إذ يقول :" لا يوجد خارج الحياة النفسية الشعورية إلا الحياة الفيزيولوجية " ،ويقول كذلك :" ماهو نفسي هو بالأساس شعوري" أما برغسون فقد عدد خصائص الشعور باعتباره متغير وذاتي وفردي ، وانتقائي ومستمر لا ينقطع .. إذ يقول في هذا : " إن الشعور كالنهر الجاري الذي لا يعرف التوقف وحتى وإن تدنى مستواه فإنه لا يغيب " كما يقول رويه كولارد :" إن ذواتنا وآلامنا ومخاوفنا وجميع إحساساتنا تجري أمام الشعور كما تجري مياه النهر أمام عيني المشاهد " وبهذا فالشعور مبدأ وحيد للحياة النفسية .
    رغم ما قدمه هذا الموقف من حجج إلا أنه لم يسلم من النقد إذ كثيرا ما تصدر منا سلوكات لا نعي سبب صدورها منا كزلات اللسان مثلا ، فنقول أشياءا لم نرد قولها ، كما أن الشعور يبقى عاجزا عن تفسير بعض الظواهر النفسية بسبب غموضها وجهل الشعور لعللها كالأحلام  مثلا .
    بالمقابل يرى الموقف النقيض أن الحياة النفسية ليست في مجملها حياة شعورية وأن الحياة النفسية تحوي جانبا مهما هو اللاشعور حيث انتبه علماء النفس في القرن التاسع عشر إلى وجود نشاط نفسي خفي عميق يتجلى في  الاحلام وزلات القلم وفلتات اللسان والتعويض والتبرير وكانت البداية مع كل من شاركو وبروير وليبنيتز وشوبنهاور حيث استعملوا طريقة التنويم المغناطيسي للكشف عن حالات الكبت واللاشعور عند المرضى النفسانيين ، لكن سرعان ما اكتشف النمساوي سيغموند فرويد أخطاء هذه الطريقة ليستبدلها بالتداعي الحر . حيث يطلب من المريض أن يترك أفكاره تتداعى ثم يقتنض منها المحلل النفسي الأفكار اللاشعورية وينقلها إلى الشعور فيزول المرض ،  يقول فرويــد :" إن مجرد إعطاء معنى للأمراض العصبية بفضل تفسير تحليلي يكون حجة دامغة على وجود نشاط نفسي لا شعوري " وقد قسم فرويد الجهاز النفسي إلى ثلاث مستويات هي الهو والأنا والأنا الأعلى ومن هذا التقسيم رأى بوجود غريزتين تحكمان سلوكيات الانسان هما غريزة الليبدو والغريزة العدوانية ،يقول فرويد :" إن فرضية الشعور فرضية لازمة " وبهذا فإن اللاشعور جانب مهم من الحياة النفسية .
   رغم ما جاء به رواد علم النفس الحديث من حجج لإثبات وجود اللاشعور إلا أن نظريتهم بقيت على المستوى الفلسفي ولم تصل إلى درجة العلمية وهذا باعتراف فرويد ذاته ، كما أنها طبقت على المرضى دون الاسوياء لذا يقول هنري أي : " إن المحلل النفسي كالبوم لا يرى إلا في الظلام " كما أن إرجاع كل سلوكات الانسان إلى اللاشعور وجانب المكبوتات أمر مبالغ فيه .
   بعد عرضنا للموقفين المتعارضين نجد أن الحياة النفسية لا تخلو من جانبين مهمين هما الشعور واللاشعور فالشعور مصدر معرفة الانسان لذاته وأفعاله ومحيطه واللاشعور له دور في تنفيس الرغبات والمكبوتات لذا فإن الحياة النفسية تتركب من الشعور واللاشعور وكرأي شخصي فإننا لا يمكننا أن ننكر وجود حالات نفسية لا يمكن تفسيرها إلا بالإقرار باللاشعور .

   في الأخير يمكن القول بأن اكتشاف اللاشعور ساهم بدرجة كبيرة في مساعدة الأطباء النفسانيين على معالجة الأمراض النفسية إلا أن الغالب على حياة الانسان هو الحياة الشعورية التي يدرك بها الانسان ذاته ومحيطه وعالمه الخارجي.

من دون تعليقاتكم وتشجيعاتكم لا يمكن أن نستمر ........

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.