السبت، 28 مايو 2016

مقالة في درس الأخلاق لشعبة آداب وفلسفة


هل يمكن اعتبار العقل معيارا للقيمة الأخلاقية ؟
  
   طرح المشكلة :

   يعتبر موضوع الأخلاق من بين أهم المواضيع التي خاض فيه التفكير الانساني منذ القديم وذلك لارتباطها بالسلوك البشري وقد قدرت وفق قيمه أخلاقية تعرف بأنها ما يحمله الفعل من خير فيكون محل استحباب أومن شر فيكون محل استهجان ورفض وقد اختلف الفلاسفة والمفكرون حول المعيار الأمثل للقيمة الأخلاقية فهناك من رأى بأن معيار القيمة الأخلاقية هو العقل وبالتالي فالأخلاق مطلقة في حين هناك من رأى بأن معيار القيمة الأخلاقية هو المنعة وبالتالي فالأخلاق نسبية متغيرة ومن هنا نطرح الاشكال التالي : هل يمكن اعتبار العقل معيارا للقيمة الأخلاقية ؟

محاولة حل المشكلة :

    يرى الموقف الأول أن معيار القيمة الأخلاقية هو العقل وأن العقل هو أساس الحكم على قيم الخير والشر في السلوكات البشرية ويمثل هذا الموقف كل من الفيلسوف اليوناني أفلاطون وكذا المعتزلة في الفلسفة الإسلامية وكذا الفيلسوف الألماني كانط ، فأفلاطون قسم النفس البشرية إلى نفس عاقلة ونفس غضبية وأخرى شهوانية وأن الأخلاق قائمة على مدى سيطرة النفس العاقلة على النفس الغضبية والشهوانية ، وهنا فقط تضاهي السلوكات الأخلاقية القيم  الموجودة في عالم المثل ، يقول أفلاطون : " إن الأخلاق فوق الوجود شرفا وقوة " ، كما أن المعتزلة في الفلسفة الإسلامية أرجعوا الأخلاق إلى العقل بحكم أن الله قد ميز به الانسان وأمره بإعماله للتمييز بين الخير الشر أما الألماني كانط فقد أرجع القيمة الأخلاقية إلى فعل الواجب من أجل الواجب والذي تمليه علينا الإرادة الخيرة فالفعل الذي يكون دافعه الوصول إلى غاية ما ليس فعلا أخلاقيا ( أصدق ليثق فيك الناس ) ، أما الفعل الذي يكون غاية في ذاته فهو الفعل الذي يعبر عن الأخلاق ( أصدق وكفى ) يقول كانط : " كن جريئا في إعمال عقلك" ويعرف كانط الإرادة الخيرة بقوله :" إن الإرادة الخيرة ليست خيرة بما تحدثه من أشر أو بصلاحيتها للوصول إلى هذا الهدف أو ذاك بل هي خيرة بفعل الإرادة وحده أعني أنها خيرة في ذاتها " وبهذا تصبح الأخلاق واحدة وثابتة لا تتغير بتغير الزمان والمكان .

   رغم ما قدمه هذا الموقف من حجج إلا أنه لم يسلم من النقد إذ أن هذا الموقف يتناقض وواقع القيم الأخلاقية التي تختلف باختلاف المكان والزمان وكذا فإن هذه النظرة مثالية لا يمكن أن تكرس على أرض الواقع لذا قال أحد الفلاسفة عن كانط :" يدا كانط نقيتان لكنه لا يملك يدان".

    بالمقابل يرى الموقف النقيض أن معيار القيمة الأخلاقية هو اللذة والمنفعة وبالتالي فإن الفعل ليس أخلاقيا في ذاته بل بما يصل وما يحققه من غايات ويمثل هذا الموقف أرستيب القورينائي الذي يقول :" إن اللذة هي الخير الأعظم " إلا أن ابيقور أسس الأخلاق على معيار المنفعة العامة  بدل اللذة الفردية وقد حدد معايير عامة للأخلاق وهي ما تسمى بتعاليم أبيقور الشهيرة : " خذ اللذة التي لا يعقبها ألم واترك اللذة التي تحرمك من لذة أعظم منها أو يعقبها ألم ..." وقد عاد جيريمي بنتام للحديث عن اللذة الفردية إلا أن جون ستوارت ميل أسس الأخلاق على معيار المنفعة الجماعية بقوله :" كلما كان الخير منتشرا كلما كان قاعدة صحيحة لبناء الأخلاق " .وبهذا تصبح الاخلاق نسبية متغيرة بتغير المنفعة .

   رغم ما قدمه الموقف النقيض من حجج إلا أن تأسيس الأخلاق على معيار اللذة والمنفعة لا يرقى إلى شرف المناقب والمثل العليا كما أنه يؤسس لكل ما هو دنيء ووضيع ويجعل من الأخلاق عبثية متغيرة بتغير المنافع في حين وجب أن تكون الأخلاق واحدة عند جميع الناس .

   بعد عرضنا للموقفين المتعارضين نجد بأن الفعل الخلقي ينبغي أن يقاس بمعيار ثابت يظهر في ما تمليه الإرادة الإلهية من تعاليم الشرع باعتباره سلطة مقدسة هي الأدرى بما يتوافق ومصالح العباد فالخير ما أمر الله به والشر ما نهى عنه وكرأي شخصي نجد أن الشرع باعتبار تنظير سماوي هو الأصلح لأن يكون معيارا للقيمة الأخلاقية .

حل المشكلة :


   في الأخير نخلص إلى القول بأن معيار القيمة الأخلاقية وإن تعددت الرؤى إلا أن الخير والشر في الأساس راجع إلى دراية إلهية تؤسس لشريعة هدفها الأول تحقيق الاستخلاف في الأرض والسمو بالإنسان وتكريمه عن باقي الكائنات .           

0 التعليقات:

إرسال تعليق

يتم التشغيل بواسطة Blogger.